محاسبة الشركات التجارية والجباية

 

المحاسبة والجباية هما موضوعان من مواضيع الساعة ضمن مشاغل الأعمال والأسواق المالية.

المحاسبة هي من مواضيع الساعة إعتبارا لما ترتب عن النكسات المالية للعديد من الشركات ذات المساهمة العمومية وما ترتب عنها من تدخل المشرع لإعادة تأطير المراجعة المالية والتي نتج عنها قانون Sarbanes-Oxley في الولايات المتحدة وقانون الأمن المالي في فرنسا وكذلك الشأن في تونس حيث يتم إعداد قانون جديد تحت إسم قانون الأمن المالي (la loi sur la sécurité financière).

 

والمحاسبة هي كذلك موضوع الساعة نظرا لمحاور التطابق الثلاثة (convergence) التي تتوجه لها وهي :

1) التقارب بين المحاسبة التطبيقية والبحث العلمي. فبعد أن كان المهنيون والباحثون في المحاسبة في عزلة بعضهم عن بعض أصبح اليوم معدو المعايير والمهنيون يستعملون نتائج البحوث العلمية في المحاسبة من جهة وأصبح البحث العلمي يكترث أكثر بحاجيات المهنيين ومعدي المعايير ومن شأن هذا التقارب أن يحسن بصفة ملحوظة وجوهرية كفاءة المحاسبين وقدرتهم على المعالجة الأنجع للمعلومات.

2) التطابق الثاني يهم عولمة المحاسبة بحيث نتجه إلى معايير محاسبة عالمية يعدها المجلس العالمي للمعايير المحاسبية IASB الذي يوجد مقره بلندن مع العلم أن النظام المحاسبي التونسي هو منسوخ من النظام المحاسبي الدولي قبل سنة 1996.

ويعطي إنخراط الإتحاد الأوروبي وروسيا واليابان في النظام المحاسبي الدولي بداية من سنة 2005 دفعا قويا في هذا الإتجاه.

3) التطابق الثالث يتمثل في توحيد المعايير المحاسبية الدولية والمعايير الأمريكية مع العلم أن بورصات الأوراق المالية الأمريكية تمثل أكثر من 80% من تداول الأوراق المالية في العالم.

 

الجباية هي كذلك من مواضيع الساعة لأهمية تلاؤمها مع الوضع الإقتصادي الجديد المتصف بالتبادل التجاري الحر وحرية الإنتصاب. ففي هذا الإطار، لا شك أن جباية ثقيلة تكون لها نتائج سلبية على حسن سير الإقتصاد والقدرة التنافسية وما يترتب عن ذلك من تقليص القدرة التشغيلية للإقتصاد.

وبذلك يشهد العالم موجة من الإصلاحات الجبائية تتكسب خاصيتين :

1) الإتجاه الأول يحتوي على التخفيض من نسبة الضريبة وخاصة منها الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل.

2) والإتجاه الثاني يهدف إلى إيجاد مزيد من الإنصاف (plus d’équité) سواء كان ذلك يتعلق بضبط قاعدة الأداء أو يتعلق بالعلاقة بين الإدارة والمستعملين لخدماتها (المطالبين بالأداء) وخاصة في ما يخص إحترام إدارة الجباية لواجبها للإمتثال للقوانين (obligation de compliance) وإعادة الإعتبار لقاضي الجباية بصفة ضامن للإنصاف الذي نص عليه الدستور وآخر ملجأ للخاضع للأداء أمام الإمتياز الخطير للتنفيذ المسبق الذي يمنحه القانون لإدارة الجباية والسلطة التي يمكن لها إعادة التوازن بين الإدارة والخاضع للأداء.

 

لتغطية موضوع محاسبة الشركات التجارية والجباية سأتطرق إلى ثلاث محاور :

-        علاقة الجباية والمحاسبة.

-        أهمية ومعالجة الإختلافات بين الجباية والمحاسبة.

-        دور المحاسبة في المراقبة والنزاع الجبائي.

 

I- علاقة المحاسبة والجباية

تاريخيا، تم إكتشاف أول مظاهر المحاسبة في ميدان التصرف في مخازن الحبوب العمومية في العراق (Sumer) في العهد البابلي والمخازن الحبوب هذه تعادل اليوم الخزينة العامة.

وتطورت المحاسبة بعد ذلك لتلبية حاجيات التجار وتم توثيق تقنيات المحاسبة التي نستعملها إلى يومنا هذا سنة 1494 من طرف القس الفرانسيسكي Luca Pacioli في البندقية (Venise) في كتاب طرح فيه ما توصل إليه العرب من تقدم في ميدان الحساب (l’arithmétique).

وبالتوازي كانت الجباية توظف بعدة طرق ترتكز على الأشياء الملموسة. ومن النكت الجبائية التاريخية أنه تم في فرنسا في القرن التاسع عشر إقرار ضريبة على الأبواب والنوافذ ذلك أن المشرع في ذلك الحين كان يعتقد أن عدد الأبواب والنوافذ بالمنزل يعطي أحسن مؤشر عن دخل الفرد ورفاهية الشخص.

فما كان للفرنسيين إلا أن عجلوا في إزالة نوافذ المنازل وسد الأبواب إلا من كان ضروريا منها وأمام هذه الحركة تم إلغاء هذا القانون السنة الموالية لنشره.

وسننتظر حتى ظهور نظام الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات حتى تصبح للمحاسبة دور محوري في ضبط القاعدة وتوظيف الجباية.

ونظرا لتركيز النظام الجبائي على المحاسبة لما لها من دور في ضبط قاعدة الأداء لعبت الجباية الدور الأهم في نشر المحاسبة وتعميمها على المؤسسات في الدول اللاتينية التي تترأسها فرنسا وألمانيا.

وفي نفس الوقت كان للبلاد الأنقلوسكسونية إتجاه مخالف بحيث أفردت المحاسبة لتلبية متطلبات الأسواق المالية للمعلومات التي يحتاج لها المستثمر في إتخاذ القرارات ولم تقم بتسخيرها لضبط قاعدة الأداء.

ونظرا لوجود نموذجين لتطور وإستعمال المحاسبة، سنتحصل على نموذجين في طريقة حل الإختلافات بين المحاسبة والجباية في ضبط قاعدة إحتساب الأداء.

- فمن ناحية لدينا الحل الأمريكي والبلدان التي لها نظام مماثل. ويقتضي هذا الحل بالتفريق بين القوائم المالية المحاسبية والجداول الجبائية. ففي هذه البلدان تقوم المؤسسات بإعداد نوعين من الجداول المالية : الجداول المالية المحاسبية (reporting financier) والجداول الجبائية. ويعرض هذا الحل أصحابه في تونس للعقوبات الجزائية المنصوص عليها بالفصل 98 من مجلة الحقوق والواجبات الجبائية.

وتجدر الإشارة أن البلدان التي تفرق بين القوائم المالية والجداول الجبائية مع إستعمال نفس بنك المعطيات، لا تخضع أعداد الجداول الجبائية لأي واجبات شكلية فلا وجود فيها لدفاتر مرقمة ومؤشر عليها بل تنحصر الواجبات في ضرورة القدرة على إثبات الأرقام المدرجة بالجداول.

- ومن ناحية أخرى لدينا الحل اللاتيني الذي يتمثل في إعداد سلسة موحدة من القوائم المالية تنطلق منها عملية ضبط قاعدة الضريبة بالقيام بعملية التحول من النتيجة المحاسبية إلى النتيجة الجبائية عن طريق ما نسميه بجدول ضبط النتيجة الجبائية (tableau de détermination du résultat fiscal) الذي ننطلق فيه من النتيجة المحاسبية ثم ندمج الأعباء الغير قابلة للطرح أو التي لا تستجيب للشروط الجبائية ونطرح منه الأرباح الغير خاضعة للضريبة وكذلك الطرح بعنوان الإمتيازات الجبائية لنتحصل على النتيجة الجبائية الخاضعة للضريبة.

وفي حالة تونس، فإنه بداية من 1 جانفي 1997 تم تقنين المحاسبة التي أصبحت فرعا من فروع القانون.

وبذلك أصبح لدينا فانونا محاسبيا موازي لقانون الجباية.

ويتكون القانون المحاسبي الجديد من :

-        قانون المحاسبة (la loi comptable)

-        مقرر نشر الإطار المرجعي للمحاسبة

-        قرارات وزير المالية لنشر المعايير المحاسبية

-        والعديد من مقتضيات قوانين أخرى تخص المحاسبة آخرها المقتضيات الخاصة بالمحاسبة في قانون مقاومة تبييض الأموال.

وفي هذا الإطار أصبحت القاعدة التي تربط قانون المحاسبة وقانون الجباية هي :

-        عندما ينص قانون المحاسبة على قاعدة تخالف قانون الجباية فإننا، مبدئيا، نطبق قانون المحاسبة لإعداد القوائم المالية ونقوم بإعادة معالجة الإختلاف ضمن جدول ضبط القاعدة الجبائية حسب قواعد القانون الجبائي.

-        وبالعكس من ذلك، فإن كل قاعدة بقانون المحاسبة لا تصطدم بقاعدة صريحة تخالفها في قانون الجباية تعتبر قاعدة مشتركة لميدانين المحاسبة المالية وقانون الجباية.

 

II- أهمية ومعالجة الإختلافات بين المحاسبة والجباية

تفرز مجلة الضريبة الشخصية والضريبة على الشركات نوعين من الأنظمة :

-        النظام الحقيقي للأداء

-        والأنظمة المعوضة للنظام الحقيقي وتشتمل على مختلف أنظمة النظام التقديري.

وفي الواقع، تقتصر المحاسبة على النظام الحقيقي بل فهي تمثل محور النظام الحقيقي. وبذلك إذا إستثنينا بنود المجلة الخاصة بالأنظمة التقديرية، فيصبح موضوعها معالجة الإختلافات بين النظام المحاسبي والنظام الجبائي وإحتساب الأداء وإيداع التصاريح.

وفي هذا الشأن، يمكن تعداد خمسة أنواع من الإختلافات :

1-    الإختلافات المتأتية من نظام التحفيز على الإستثمار

2-    الإختلافات المرتبطة بالواجبات الشكلية

3-    اللإختلافات المترتبة على الفرق في مفهوم المحاسبة الخاص بسنة الإرتباط للأعباء والمداخيل وتسمى هذه الفوارق الزمنية

4-    الإختلافات المتأتية من القواعد المحاسبية التي لا يقبل بها النظام الجبائي

5-    الإختلافات المترتبة عن رفض الجباية طرح بعض الأعباء كعقاب أو إعفاء بعض المداخيل.

ويترتب عن هذه الإختلافات أن الضريبة على الشركات التي يجب تسجيلها بالمحاسبة عملا بمبدأ التفرقة بين السنوات ومقاربة الأعباء بالمداخيل تختلف عن قيمة الضريبة على الشركات المستوجب دفعها مما يعطينا جباية محولة ضمن الأصول أو ضمن الديون – وتبين هذه المسألة المعقدة أن فيما يخص هذه النقطة ليس هناك إنسجام بين الإطار المرجعي التونسي للمحاسبة ومقاييس المحاسبة التي تقر بتسجيل الضريبة المدفوعة بينما كان من المفروض عليها إحترام الإطار المرجعي.

أعود إلى الإختلافات. يفوق عدد الإختلافات بين المحاسبة والجباية سبعين إختلافا وبذلك تكون دائما النتيجة الجبائية مختلفة عن النتيجة المحاسبية.

وبذلك نجد الأوضاع التالية :

-        تكون النتيجة المحاسبية ربح والنتيجة الجبائية ربحا بقيمة مختلفة

-        تكون النتيجة المحاسبية خسارة والنتيجة الجبائية ربحا

-        تكون النتيجة المحاسبية ربحا والنتيجة الجبائية خسارة

-        تكون النتيجة المحاسبية خسارة والنتيجة الجبائية خسارة بقيمة مختلفة

1- الإختلافات المتأتية من نظام التحفيز على الإستثمارات

بخلاف معالجة إعادة الإستثمار في صلب المؤسسة، يمكن لنا القبول للتبسيط بأن الإمتيازات الجبائية لا يترتب عنها تأثيرات على المحاسبة لكن معالجة إعادة الإستثمار يمكن أن تضعنا في وضع معقد. لنتصور شركة تفرز نتيجة محاسبية خسارة بـ1000 دينار وربح جبائي بـ400 دينار. يمكن لها طرح إعادة الإستثمار في صلبها بـ35% من  400 أي 140 بشرط إحداث حساب إدخار يقتطع من الربح بـ140 ليتم إدماجه في رأس المال في أجل أقصاه آخر أجل لإيداع التصريح الجبائي ولكن في وضع الحالة لا يتوفر لدينا ربح محاسبي !

2- الإختلافات المرتبطة بالقواعد الشكلية

العديد من القواعد الجبائية تعاقب عدم إحترام القواعد الشكلية برفض طرح الأعباء كقائمة الذخائر وتصريح المؤجر.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن فقه القضاء الجبائي الذي يتأكد يوما فيوم يعطي الفرصة للمطالب بلأداء لتصحيح الوضع ورد العقاب. وفي هذا الإتجاه ذهب فقه قضاء المحكمة الإبتدائية بتونس لوضع قاعدة تصب في صلب الإنصاف الجبائي تقضي بأنه لا بد أن يكون العقاب متناسب مع خطورة الخطأ وبذلك يمكن أن نعتبر أن الإتجاه هو تمكين الخاضع للأداء من تجاوز الإشكالات الشكلية حتى لا يتعرض للعقاب الجبائي.

3- الإختلافات المترتبة عن الفرق في مفهوم المحاسبة المالية والجباية الخاص بسنة الإرتباط للأعباء والمداخيل

وفي هذا الإطار يمكن تحديد نوعين من الإختلافات :

1-    النوع الأول يشمل الأعباء والمداخيل التي لم يقع تسجيلها من باب الخطأ أو السهو في السنة التي نشأ فيها الحدث. هذه الأعباء غير قابلة للطرح سنة التسجيل وكذلك الشأن بالنسبة للمداخيل ولكنها تتمتع بإمكانية القيام بعملية تصحيحية (correction symétrique) كما يقبل الفقه الإداري والذي أكده فقه القضاء الجبائي.

ويبدو الفقه الإداري مترددا في إستنتاج كل ما يترتب عن مبدأ العملية التصحيحية وبتكميلها بنظرية حق الطرح الفوري "déduction en cascade" ذلك أنه في صورة حدوث توظيف ضريبة قابلة للطرح (أداء على القيمة المضافة، أداء على التكوين المهني، أداء السكن ...) فإن فقه الإدارة قبل بطرحه سنة تسجيل الدين لدى القابض أو دفعه، الشيء الذي يناقض مبدأ التفرقة بين السنوات الذي يبرر تقنية الطرح الفوري "la déduction en cascade".

وتمكن هذه التقنية التي أقرها في البداية فقه القضاء الفرنسي من طرح الضرائب القابلة للطرح المعاد إحتسابها كما نفعل عندما نطبق العملية التصحيحية.

2-    النوع الثاني من الإختلافات تهم الإختلاف الجوهري بين المحاسبة والجبائية : فبينما تفرض المحاسبة إدراج الذخائر الضرورية لمجابهة الأخطار حين بروزها تشترط الجباية أن الخطر قد تحقق حتى يصبح العبء قابل للطرح وكذلك الشأن للفارق في العملة الأجنبية.

ويترتب عن هذه الإختلافات معالجة غير منصفة بما ينتج عنها من دفع ضريبة على أرباح جبائية رغم أن هذه الأرباح غير متوفرة من وجهة النظر الإقتصادية.

4- الإختلافات المتأتية من القواعد المحاسبة التي لا يقبل بها النظام الجبائي

تتعدد الطرق المحاسبية الغير مقبولة جبائيا ومنها مثلا : القيمة المتبيقة من قيمة الإستيعاب وطرح من قيمة المعدات الغير قابلة للإسترجاع وطرح قيمة الديون وتحيين قيمة الديون غير العادية الأجل. وهذه الإختلافات الجوهرية تعرض المؤسسة إلى التحكيم بين مصلحتها الجبائية وإحترام واجباتها المحاسبية. وفي العديد من الحالات تختار المؤسسة تطبيق القواعد الجبائية على حساب القواعد المحاسبية.

5- الإختلافات المترتبة عن رفض الجباية طرح بعض الأعباء كعقاب أو إعفاء بعض المداخيل.

هذه الإختلافات ناتجة عن سياسات جبائية تهدف إلى معاقبة المخالفات وعدم التشجيع على بعض العمليات. فمثلا لا تقبل من الطرح الخطايا الجبائية والمصاريف المتعلقة بالسيارات التي تفوق 9 خيالي وكذلك التعهد بالضرائب على الأتواة الواجب تحملها من طرف غير المقيمين.

كما تهدف هذه الإختلافات من ناحية أخرى إلى تجسيم مبدأ الحياد الجبائي مثلا في عدم إخضاع أرباح الأسهم للضريبة مجددا وتشجيع إيداع الأموال بالعملة بإعفاء فوائدها من الضريبة.

وفي هذه الإختلافات ما هو مبررا وما هو قابلا للنقد

 

III- المحاسبة في الرقابة والنزاع الجبائي

يؤكد القانون الجبائي على ضرورة مسك محاسبة مطابقة للنظام المحاسبي التونسي لكل خاضع للأداء حسب النظام الحقيقي وكذلك الشأن بالنسبة للعديد من الحوافز والإمتيازات الجبائية التي تفترض مسك محاسبة مطابقة للنظام المحاسبي التونسي ولكن في نفس الوقت لا يقبل النظام الجبائي بالعديد من القواعد المحاسبية.

ولذلك أصبح من الضروري لكل المهنيين في ميادين المحاسبة والجباية إتقان الميدانين في نفس الوقت :

-        القواعد المحاسبية

-        والقواعد الجبائية

حتى يتمكنوا من تبين الإختلافات والقيام بما يترتب عن ذلك لمعالجتها بحيث أصبح من الصعب معالجة متطلبات المحاسبة ومتطلبات الجباية ويمكن القول أن القدرة على إحتساب النتيجة الجبائية أصبحت تتطلب تحكم كبير في تقنيات المحاسبة.

ولهذه الأسباب فإنه يمكن القول بأنه إذا وجود مراقب للجباية ليست لديه معرفة كافية بقواعد المحاسبة فيمكن أن يعرض المؤسسات لعدم الإلمام بقواعد المحاسبة إلى الإزعاج المتأتي من مطالبتها بالا معقول.

هذا وإذا كانت المراجعة الجبائية مصدر مخاطر يترتب عنها تكلفة مرئية مرتبطة بتوظيف الأداء فهي تتسبب زيادة عن ذلك في تكلفة غير مرئية "coûts invisibles" يمكن أن تكتسي خطورة. وتتأى هذه التكلفة الغير مرئية من الوقت المسخر للمراجعة وما يترتب عنها من إزعاج طيلة فترة المراقبة وتتواصل فترة الإزعاج في بعض الأحيان إلى حد الفصل النهائي في النزاع من طرف العدالة.

ولنتفحص الآن القيمة الإثباتية للمحاسبة في عملية المراجعة والنزاع الجبائي.

لقد نص الفصل 26 من قانون المحاسبة أنه "يمكن قبول كل الوثائق المحاسبية والإحتجاج بها لدى القضاء على أن تكون هذه الوثائق المحاسبية مطابقة لمقتضيات هذا القانون".

وبالإختلاف مع ذلك ورغم أن القانون الجبائي يركز النظام الحقيقي على واجب إمساك محاسبة مطابقة للنظام المحاسبي للمؤسسات فقد جاء بالفصل 38 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية أن عملية المراجعة تستند على المحاسبة بالنسبة إلى المطالب بالأداء الملزم بمسكها وإلى المعلومات والوثائق والقرائن الفعلية والقانونية في كل الحالات.

ولذلك يمكننا أن نتساءل عن القيمة الإحتجاجية الحقيقية لمحاسبة قانونية مطابقة لمتطلبات القانون الجبائي وقانون المحاسبة.

ونعتقد أن المراجعة الجبائية للشركات تمر حتما بالمحاسبة ولا يمكن للإدارة اللجوء إلى الطرق التعويضية عن المحاسبة لتوظيف الأداء إلا بعد أن تثبت أن المحاسبة المقدمة مرفوضة تماما أو تتخللها بعض النقائص كما يفعل مراقب الحسابات عندما يصادق على نزاهة الحسابات مع التعبير عن بعض الإحترازات.

وتكون سلطة القاضي مطلقة للتحقق في ما تقدمه الإدارة من إثبات عن الإخلالات في المحاسبة التي تخول لها إستعمال الطرق التعويضية وفي عكس ذلك تصبح القيمة الإثباتية التي نص عليها الفصل 26 من قانون المالية بدون معنى.

وفي الختام : لقد تبين لكم طيلة التحليل الذي قمت به أن علاقة المحاسبة بالجباية تكتسي بصفتين متباينتين وهما : الإرتباط والإختلاف.

وفي الواقع الملموس يصبح الإختلاف منافسة بين الجباية وقانون المحاسبة بحيث تميل المؤسسات إلى إختيار الطرق الجبائية في مسك محاسبتها حتى ولو كان ذلك يتسبب في عدم إحترام القواعد التي جاء بها قانون المحاسبة الغير مقبولة جبائيا.

ولهذه الأسباب، لابد للعناصر الفاعلة في النظام الجبائي وخاصة منها المشرع الجبائي وإدارة الجباية والقاضي الجبائي أن يكونوا متأكدين أنهم يساهمون بصفة قوية في نحت نظام تسيير المؤسسات في تونس.

ولقد أثبتت عديد البحوث في المحاسبة والجباية أن التقريب بين المحاسبة والجباية بتقليص الإختلافات من شأنه أن يساهم في تطوير الأسواق المالية ذلك أنه كلما إقتربت الجباية من المحاسبة كلما ساعد ذلك على تدعيم الشفافية بما أن غريزة البحث عن تقليص الضريبة على الشركات تجد لها رادعا في مصلحة إظهار نتائج من شأنها إرضاء المساهمين والمستثمرين بحيث يخلق التطابق الجبائي والمحاسبي مناخا إيجابيا للشفافية الجبائية والمحاسبة.

وفي غياب التوجه نحو التطابق بين المحاسبة والجباية فإن حل التفريق بينها سيكون على المدى المتوسط حتمي خاصة وأن حل التفريق هو الذي يرتكز عليه النظام المحاسبي الدولي.